اعتلال الشبكية الناجم عن مرض السكري
هذا المدونة من د. لويزا ساستري، استشارية في علاج شبكية العين وجراحة الساد
يُعد مرض السكري من المشاكل الصحية الرئيسية في جميع أنحاء منطقة الخليج العربي، فوفقًا للاتحاد الدولي لمرض السكري، يُعاني 20.7% من البالغين في الإمارات العربية المتحدة من الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، بما يعادل حوالي 1.25 مليون شخص.
السكري هو حالة مرضية مزمنة تؤثر في كيفية امتصاص الجسم للسكر المستخرج من الطعام وتخزينه واستخدامه، وعندما يحدث خلل في هذه العملية، فإنه يؤدي إلى ارتفاع معدلات السكر في الدم. يمكن أن يتسبب الارتفاع المستمر لمعدلات السكر في الدم في تلف الأوعية الدموية والأعصاب بمرور الوقت، مما يؤدي إلى إصابة بعض الأعضاء بمضاعفات، ومنها العينين.
يُعد اعتلال الشبكية السكري أحد أكثر مضاعفات السكري الخطيرة المرتبطة بالعيون، فعلى الرغم من خطورته المحتملة، فإنه غالبًا ما يتطور تدريجيًا بدون أعراض ملحوظة، مما يجعل إجراء فحوصات العين المنتظمة أمرا ضروريا لجميع المصابين بمرض السكري.
في هذه المدونة، نستكشف الرابط بين مرض السكري والبصر، ونشرح أسباب الإصابة باعتلال الشبكية السكري وكيفية تقدمه، ونقدم لمحة عامة بشأن خيارات العلاج الحديثة المتاحة.
ما أنواع مرض السكري المختلفة؟
يوجد نوعان أساسيان من مرض السكري:
- السكري من النوع الأول وعادةً ما يُشخّص به الأطفال والشباب، وغالبًا ما يُشار إليه بمرض السكري “المعتمد علي الإنسولين” وينتج من عملية مناعية ذاتية حيث ينتج البنكرياس كمية قليلة من الإنسولين أو لا ينتجه على الإطلاق.
- السكري من النوع الثاني وهو أكثر الأنواع شيوعًا ويؤثر في المقام الأول على البالغين الذين تتخطى أعمارهم 40 عامًا، على الرغم من تزايد أعداد المصابين به من الأفراد الأصغر سنًا، وهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسمنة والخمول وعدم ممارسة الأنشطة البدنية والاستعداد الوراثي للإصابة به.
ما العوامل الوراثية للإصابة بمرض السكري؟
- إذا كان أحد الوالدين مصابًا بمرض السكري من النوع الثاني، فإن خطر إصابة الطفل بهذا المرض يصل إلى 40% تقريبًا،
- ولكن إذا كان كلا الوالدين مصابين بالمرض، تقفز احتمالية إصابة الطفل إلى 70%،
- أما بالنسبة لمرض السكري من النوع الأول، فإن الخطر الوراثي يقل كثيرًا إلى حوالي ٥٪.
ماذا يُقصد باعتلال الشبكية السكري؟
اعتلال الشبكية السكري هو أحد مضاعفات الإصابة بمرض السكري وتحدث عندما يتسبب الارتفاع المستمر لمعدلات السكر في الدم في تلف الأوعية الدموية في الشبكية،وهي الطبقة النسيجية الرقيقة، الحساسة للضوء، التي تبطّن مؤخرة العين من الداخل،
ومع تقدم الحالة، قد تتعرض هذه الأوعية الدموية إلى التورم أو الارتشاح أو الانسداد، مما يؤدي إلى انخفاض تدفق الدم الذي يصل إلى الشبكية. في بعض المراحل الأكثر تقدمًا، قد تنمو أوعية دموية جديدة على نحو غير طبيعي، مما يؤدي إلى احتمالية الإصابة بنزيف، وتكوّن ندوب في الأنسجة الجديدة، وحدوث مضاعفات أخرى مثل انفصال الشبكية.
ما الذي يؤدي إلى الإصابة باعتلال الشبكية السكري؟
توجد عوامل خطر مختلفة تساهم في تطور اعتلال الشبكية السكري، وتشمل:
- مدة الإصابة بمرض السكري (كلما طالت المدة، زاد الخطر)
- سوء السيطرة على سكر الدم
- ضغط الدم المرتفع
- زيادة معدلات الكوليسترول أو الدهون
- الإصابة بمرض الكلى
- الحمل (لدى النساء المصابات بمرض السكري سابقًا)
ما العلامات والأعراض التي تدل على الإصابة باعتلال الشبكية السكري؟
غالبًا ما يتطور اعتلال الشبكية السكري بصمت، فهو لا يسبب الألم ولا يُحدِث تغيرات واضحة في القدرة على الإبصار، وذلك في المراحل الأولى، ومع ذلك، قد يعاني بعض الأفراد من:
- تشوش البصر أو تذبذبه
- ضعف البصر في الليل
- صعوبة في الانتقال من النور والظلام والعكس
- ظهور بقع أو خيوط داكنة (أجسام طافية) في مجال البصر
- فقدان كلي أو جزئي للبصر في الحالات المتقدمة
من المهم ملاحظة أن مجرد تمتع مريض السكري ببصر جيد لا يستبعد وجود اعتلال الشبكية السكري، ولذلك، تعتبر فحوصات العيون المنتظمة لمرضى السكري ضرورية حتى في حالة عدم ظهور الأعراض.
كيف يُشخّص اعتلال الشبكية السكري؟
يستخدم اختصاصيو أمراض الشبكية أدوات تشخيصية متقدمة للكشف عن مرض اعتلال الشبكية السكري ومراقبته:
- فحص قاع العين: تقييم مفصّل للشبكية باستخدام عدسات وإضاءة متخصصة.
- التصوير المقطعي البصري (OCT): فحص الشبكية بالتصوير غير الجراحي لالتقاط الصور المقطعية للكشف عن وجود تورم أو حدوث تغيرات في بنيتها.
- تصوير الأوعية الدموية بعد حقنها بالفلوريسين: اختبار صبغي يُستخدم لتقييم مدى ارتشاح الأوعية الدموية في الشبكية وتحديد مناطق ضعف الدورة الدموية أو النمو غير الطبيعي للأوعية الدموية بالشبكية.
من خلال هذه الاختبارات، يمكن تحديد المرحلة التي وصلت إليها الحالة بدقة، و وضع خطة العلاج التي تناسب حالة كل مريض على حدة.
ما المراحل المختلفة لمرض اعتلال الشبكية السكري
- اعتلال الشبكية السكري غير التكاثري الخفيف: ظهور تضخمات بسيطة في الأوعية الدموية (تمدد الأوعية الدموية الدقيق).
- اعتلال الشبكية السكري غير التكاثري المتوسط: تتعرض بعض الأوعية الدموية إلى الانسداد.
- اعتلال الشبكية السكري غير التكاثري الشديد: يتعرض عدد أكبر من الأوعية الدموية إلى الانسداد، مما يؤدي إلى انقطاع إمداد الشبكية بالدم.
- اعتلال الشبكية السكري التكاثري (PDR): تنمو أوعية دموية جديدة وهشة، مما قد يؤدي إلى حدوث نزيف أو تكوّن ندوب في أنسجة الشبكية،
توجد حالة أخرى ذات صلة، وهي وذمة البقعة الصفراء السكرية (DME)، ويمكن أن تحدث في أي مرحلة، حيث يتورم الجزء المركزي من الشبكية (البقعة الصفراء)، مما يؤدي إلى تشوّش الرؤية المركزية.
خيارات العلاج المتاحة لاعتلال الشبكية السكري
يُفصّل العلاج بناءً على شدة المرض ومدى تطوره. تشمل الخيارات الشائعة ما يلي:
- المراقبة: بالنسبة للحالات التي يُكتشف فيها المرض مبكرًا والحالات الخفيفة، قد تكون المراقبة المنتظمة كافية، وخاصةً إذا لم تظهر أي أعراض على المريض أو تغيرات في الإبصار.
- الحقن بالإبر: تُحقن العين مباشرةً بأدوية مثل مضادات تشكل الأوعية الدموية الجديدة أو الستيرويدات لتقليل تورم الشبكية، ووقف ارتشاح الأوعية الدموية، ومنع نمو أوعية دموية جديدة على نحو غير طبيعي.
- . العلاج بالليزر
- العلاج التقليدي بالليزر المحيطي (التخثر الضوئي): يستهدف الأوعية الدموية المرتشحة أو المناطق التي انقطع عنها الأوكسجين في الشبكية في الحالات الشديدة.
- الليزر المجهري المنخفض الشدة (العلاج بالدفقات الدقيقة للحالات غير المرئية): يُعد نهجًا ألطف وأكثر استهدافًا لتقليل تلف النسيج المحيط بالشبكية.
- جراحة استئصال الجسم الزجاجي: في الحالات المتقدمة التي تتعرض إلى انفصال الشبكية، أو نزيف كثيف (نزيف الجسم الزجاجي)، أو تكوّن ندوب في الأنسجة، قد تكون الجراحة ضرورية لاستعادة البصر ومنع وقوع مزيد من التلف للشبكية.
أهمية الكشف المبكر لاعتلال الشبكية السكري
يُحسّن تشخيص اعتلال الشبكية السكري مبكرًا من نتائج العلاج على نحو كبير، ويساعد على الوقاية من فقدان البصر الدائم. يُنصح بشدة بإجراء فحوصات حدقة العين المتوسعة سنويًا لكل من:
- جميع مرضى السكري من النوع الأول (يبدأ خلال 5 أعوام على التشخيص)
- جميع مرضى السكري من النوع الثاني (يبدأ عند التشخيص بالمرض)
- الحوامل المصابات بمرض السكري (يفضل قبل الحمل وخلال كل ثلاثة أشهر من الحمل)
يُعد السيطرة المستمرة على مرض السكري، مصحوبًا بإجراء فحوصات العيون بانتظام، حجر الاساس للوقاية.
التعايش مع مرض السكري: كيف تحمي بصرك
حتى يحافظ مريض السكري على صحة عينيه، عليه اتباع نهج شامل:
- الحفاظ على السكر وضغط الدم والكوليسترول ضمن المعدلات الموصى بها
- الالتزام بالأدوية وخطط العلاج التي يصفها الطبيب
- اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الأنشطة البدنية باستمرار
- تجنب التدخين والحد من شرب الكحول
- إعطاء الأولوية لفحوصات العين السنوية – حتى لو كنت لا تعاني من مشاكل في الإبصار
ترتبط صحة عينيك ارتباطًا وثيقًا بالخطة الشاملة للتعامل مع مرض السكري، فعندما تتخذ احتياطاتك، ستتمكن من الحفاظ على بصرك ومنع حدوث المضاعفات.
الخاتمة
يُعد اعتلال الشبكية السكري أحد الأسباب الرئيسية لفقدان الأشخاص في سن مبكر لبصرهم رغم إمكانية تجنب ذلك. والخبر السار هو أنه من خلال المراقبة المنتظمة والتدخل السريع عند اللزوم، يُمكن في كثير من الأحيان إبطاء فقدان البصر أو إيقافه أو حتى إصلاحه.
في مستشفى مورفيلدز دبي للعيون، نحرص على تقديم رعاية بمستوى عالمي لمرضى السكري، مدعومة بأحدث تقنيات التشخيص والعلاج. يتعاون فريقنا من استشاريي طب العيون واختصاصيي أمراض الشبكية معًا لضمان حصول كل مريض على خطة علاج مفصّلة خصيصًا له.
الأسئلة المتكررة عن اعتلال الشبكية السكري
- هل يمكن أن يؤثر اعتلال الشبكية السكري على كلتا العينين؟
نعم، عادةً ما يؤثر اعتلال الشبكية السكري على كلتا العينين، ومع ذلك، قد تختلف درجة إصابة كل عين عن الأخرى، فليس غريبًا أن تُظهر إحدى العينين درجة متقدمة من التلف بينما تبدو الأخرى في مرحلة مُبكرة، ويُبرز هذا التباين ضرورة تقييم كل عين على حدة أثناء الفحص. بما أن اعتلال الشبكية السكري قد يبدأ في صمت، حتى بدون أعراض ملحوظة، فإن الفحوصات الروتينية التي يجريها طبيب العيون ضرورية لكلتا العينين، بغض النظر عن شعور الشخص بأنه لا يعاني من مشاكل في البصر . - ما المدة التي يستغرقها اعتلال الشبكية السكرى حتى يتطور؟
يختلف الخط الزمني من شخص لآخر، ففي مرضى السكري من النوع الثاني، الذين عادةً ما يتأخر تشخيصهم بالمرض لأعوام عديدة، فقد يكونون مصابين بالفعل باعتلال الشبكية السكري وقت التشخيص، وفي المقابل، عادةً ما تبدأ التغيرات في الشبكية بالحدوث لدى مرضى السكري من النوع الأول بعد حوالي خمسة أعوام من التعايش مع هذه الحالة، ومع ذلك، يعتمد ظهور المرض وشدته على مدى التحكم به، فيمكن لعوامل مثل ارتفاع سكر الدم المستمر، وعدم السيطرة على ضغط الدم، وارتفاع معدلات الكوليسترول أن تُعجِّل من تطور اعتلال الشبكية. - هل يمكن إصلاح التلف الذي يسببه اعتلال الشبكية السكري في الشبكية؟
لسوء الحظ، غالبًا ما يكون التلف البنيوي الناجم عن اعتلال الشبكية السكري المتقدم، مثل تكوّن الندوب أو انفصال الشبكية أو انسداد الأوعية الدموية، غير قابل للإصلاح، ولكن إذا شُخِّص في مراحله المبكرة، فيُمكن السيطرة عليه بفعالية. تُساعد العلاجات، مثل العلاج بالليزر والحقن بالإبر والإجراءات الجراحية، في الحفاظ على ما تبقى من البصر ومنع تطور المرض، ويُوفر الكشف المبكر أفضل فرصة لوصول الحالة إلى الاستقرار والحفاظ على جودة الحياة وتقليل الأثر السلبي للمرض عليها. - هل يتحسن البصر دائمًا بعد العلاج؟
ليس دائمًا، فالهدف من العلاج هو إيقاف تقدم المرض أو إبطائه، في حين أن بعض المرضى يشعرون بتحسن في البصر، وخاصةً إذا بدأوا العلاج مبكرًا، فقد لا يستعيد مرضى آخرون وضوح البصر تمامًا. فعلى سبيل المثال، إذا تضررت البقعة البصرية (الجزء المركزي في الشبكية المسؤول عن حدة الإبصار)، فقد يكون التعافي محدودًا، ومع ذلك، فإن الوصول بالحالة إلى الاستقرار وتجنب مزيد من التدهور يُعد نجاحًا كبيرًا، وخاصة عندما يحدث التدخل قبل حدوث تلف لا يمكن إصلاحه. - هل يمكنني الوقاية من اعتلال الشبكية السكري؟
في حين إنه ليس من المستحيل دومًا الوقاية تمامًا من اعتلال الشبكية السكري، إلا إنه يمكن تأخير تطور المرض وتقدمه من خلال السيطرة الجيدة على مرض السكري، فالحفاظ على معدلات سكر الدم ضمن النطاق المستهدف، والتحكم في ضغط الدم والكوليسترول، وتجنب التدخين، والحفاظ على النشاط البدني، والخضوع لفحوصات طبية وفحص العيون بانتظام، كلها عوامل تساهم في تقليل المخاطر، ويميل مرضى السكري الذين يراقبونه ويسيطرون عليه بانتظام إلى الإصابة بحالات أخف من اعتلال الشبكية، ويتمتعون بنتائج أفضل بالنسبة للإبصار على المدى الطويل. - كم مرة يجب أن أفحص عينيّ إذا كنت مصابًا بمرض السكري؟
يُنصح مرضى السكري بإجراء فحص حدقة العين المتوسّعة الشامل سنويًا، وتسمح هذه الفحوصات لأطباء العيون باكتشاف التغيرات التي تطرأ على الشبكية قبل ظهور الأعراض، ففي حالة وجود اعتلال الشبكية بالفعل أو في حالة وجود عوامل خطر أخرى، مثل الحمل أو سوء التحكم في داء السكري، فقد يُنصح بتكرار الزيارة أكثر من مرة سنويًا. من الضروري فحص العينين بانتظام، لأن اعتلال الشبكية السكري يمكن أن يتطور ويتقدم بصمت، وتساعد المراقبة الوقائية على ضمان معالجة أي علامات مبكرة قبل أن تتفاقم إلى مضاعفات تهدد البصر.