
(المياه الزرقاء) الجلوكوما لدى الأطفال
هذا المدونة من د. سلمان واقر، استشاري في جراحة العيون، أخصائي جراحة الجلوكوما لدى الأطفال واالبالغين و الكتاراكت (إعتم عدسة العين)
الزرَق (الجلوكوما) هو مرض خطير يؤثر على العيون، وعادة ما يكون شائعًا بين البالغين، لكنه قد يصيب الأطفال أيضًا، حيث يمكن أن يولد بعضهم بهذه الحالة. تُعرف هذه الحالة المرضية باسم الزرَق عند الأطفال أو الزرَق الخلْقي، ويؤدي إلى ارتفاع الضغط داخل العين، مما قد يتسبب في تلف العصب البصري ويؤثر تدريجيًا على الإبصار الطرفي (الجانبي) للطفل إذا لم يتم علاجه في الوقت المناسب.
تشرح هذه المدونة كل ما يجب أن يعرفه الوالدان ، بدءًا من الأسباب والأعراض، وانتهاءً بالتشخيص وخيارات العلاج المتاحة.
ما هو الزرَق (الجلوكوما) عند الأطفال؟
الزرَق هو مجموعة من الحالات التي تؤثر على عيون الأطفال، حيث يرتفع الضغط داخل العين بشكل غير طبيعي. يحدث هذا الارتفاع بسبب عدم تصريف السائل المائي الذي يُفرز داخل العين بشكل جيد، عبر قنوات التصريف الطبيعية. في العين السليمة، يتدفق هذا السائل بسلاسة، مما يحافظ على الضغط الطبيعي. لكن في حالة الزرَق، يحدث اختلال في هذا التوازن، مما يؤدي إلى تراكم السائل وزيادة الضغط، مما قد يتسبب في تلف العصب البصري المسؤول عن نقل الإشارات البصرية إلى الدماغ.
ما هي الأنواع المختلفة للزرَق عند الأطفال؟
يوجد عدة أنواع من الزرَق عند الأطفال، ومنها:
- الزرَق الخلْقي الأولي: يعتبر الأكثر شيوعًا بين حالات الزرَق لدى الأطفال، وعادة ما يظهر عند الولادة نتيجة لخلل في نمو قنوات التصريف داخل العين أثناء فترة الحمل، ويصيب حوالي واحد من كل 10 آلاف مولود حول العالم.
- الزرَق الخلْقي الثانوي: يمكن أن ينجم هذا النوع بسبب الإصابة بأمراض أخرى، أو جراحة سابقة في العين، أو نتيجة صدمات، أو أمراض عامة تؤثر على الجسم.
- الزرَق المفتوح الزاوية لدى الأطفال: يُشخص غالبًا عند الأطفال الأكبر سنًا أو المراهقين، ويشبه الزرَق المفتوح الزاوية لدى البالغين، ولكن يحتاج إلى خبرة متخصصة للتعامل مع الحالة بشكل صحيح.
ما هي أسباب إصابة الأطفال بالزرَق؟
عادةً ما يكون الزرَق الخلقي ناتجًا عن عوامل وراثية، حيث يزداد خطر الإصابة في حال وجود تاريخ عائلي للمرض. في بعض الحالات، قد لا تتكون قنوات التصريف داخل العين بشكل سليم أثناء نمو الطفل في الرحم، مما يؤدي إلى صعوبة تصريف سائل العين وارتفاع الضغط داخلها. تشمل الأسباب الأخرى ما يلي:
- إصابات العين أو صدماتها
- إصابات سابقة ناجمة عن عدوى في العين
- التهابات العين
- بعض المتلازمات مثل ستيرج ويبر وأكسينفيلد ريجر
ما هي علامات الزرَق عند الأطفال؟
الأطفال يجدون صعوبة في التعبير عن إحساسهم أو ما يرونه بوضوح، لذلك يجب على الأهل ومقدمي الرعاية مراقبة العلامات التي قد تشير إلى وجود الزرَق. تشمل الأعراض الشائعة ما يلي:
- زيادة حجم العين بشكل غير طبيعي: قد يؤدي ارتفاع ضغط العين إلى تمدد مِقلة العين، مما يجعلها تبدو أكبر من المعتاد.
- القرنية الضبابية: ظهور لون ضبابي أو أبيض على السطح الأمامي للعين.
- زيادة إفراز الدموع: تدمع العينان بشكل مفرط دون وجود حساسية أو بكاء.
- حساسية الضوء: تفاعل زائد مع الأضواء الساطعة.
- عدم تناظر العينين: وجود اختلاف واضح في حجم أو شكل العينين.
إذا لاحظت أيًا من هذه العلامات، يُنصح بالتوجه إلى اختصاصي في الزرَق عند الأطفال أو طبيب عيون للأطفال في أقرب وقت.
كيف يتم تشخيص الزرَق لدى الأطفال؟
يعد تشخيص الزرَق لدى الرُضع والأطفال الصغار عملية معقدة تستدعي استشارة متخصص. خلال الاستشارة، يستخدم الاختصاصي مجموعة من الأساليب للوصول إلى التشخيص الدقيق، ومن ضمنها:
- قياس ضغط العين
- فحص شفافية القرنية للبحث عن أي ضبابية
- استخدام تقنيات التصوير التشخيصي مثل التصوير المقطعي للترابط البصري (OCT) لتقييم حالة العصب البصري
- فحص قنوات التصريف داخل العينين وحولها
نظرًا لأن الرُضع والأطفال الصغار قد لا يتعاونون بشكل كامل أثناء الفحوصات، قد يتطلب الأمر في بعض الأحيان إجراء فحص متخصص تحت التخدير لضمان إجراء اختبار دقيق وشامل. في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب بإجراء اختبارات وراثية إذا كان هناك اشتباه في أن الزرَق ناتج عن متلازمة أو حالة وراثية.
أهمية الكشف المبكر للزرَق
يمكن أن يسهم اكتشاف الزرَق مبكرًا بشكل كبير في تحسين فرص الحفاظ على بصر طفلك. عادةً ما تتضمن الفحوصات الصحية المنتظمة اختبارًا أساسيًا للعين للكشف عن أي تشوهات، مثل:
- فحص انعكاس الضوء الأحمر: يظهر توهج أحمر عند تسليط الضوء على العين، وغيابه قد يدل على وجود مشكلة في القرنية أو العدسة.
- شفافية القرنية: قد تشير القرنية الضبابية إلى ارتفاع ضغط العين.
على الرغم من أن هذه الاختبارات الأولية قد لا تؤكد إصابة الطفل بالزرَق، إلا أنها قد تدل على الحاجة إلى تقييم من قبل اختصاصي.
ما الخيارات المتاحة لعلاج الزرَق عند الأطفال؟
يركز علاج الزرَق عند الأطفال على خفض ضغط العين لمنع تفاقم تلف العصب البصري، ويُفصِّل الطبيب خطة العلاج المناسبة خصيصًا للطفل بناءً على عمره ونوع الزرَق الذي يعاني منه وشدته.
- الأدوية: قد تُستخدم قطرات العين أو الأدوية الفموية لخفض إنتاج السائل أو زيادة تصريفه، وغالبًا ما تكون الأدوية حلًا مؤقتًا أو تُستخدم لتحضير الطفل للعملية الجراحية.
- العمليات الجراحية: تعتبر العمليات الجراحية الخيار الرئيسي الذي يعتمد عليه الأطباء لعلاج الحالات الأمراض، وتشمل الإجراءات الجراحية الشائعة ما يلي:
- بضع الزاوية: إجراء جراحي داخل العين لفتح قنوات التصريف.
- قطع التربيق: إجراء خارجي لفتح مسار جديد لتصريف سائل العين.
- زراعة الأنابيب: عملية زراعة أنبوب أو جهاز لتصريف السوائل من العين، تُستخدم في الحالات المعقدة أو المتقدمة.
يعتمد نجاح العملية الجراحية بشكل كبيرعلى التدخل المبكر والحالة الصحية العامة للطفل ، بالإضافة إلى المتابعة المنتظمة. فهذه الإجراءات الجراحية، مثل غيرها، تحمل مخاطر محتملة مثل العدوى أو النزيف أو الحاجة لإعادة إجراء العملية، مما يجعل الرعاية المستمرة أمرًا ضروريًا.
ماذا يحدث بعد علاج الزرَق؟
يحتاج الأطفال الذين يُشخَّصون بالزرَق إلى متابعة دورية، حتى لو نجحت السيطرة على ضغط العين. تشمل الرعاية المستمرة بعد العملية الجراحية أو العلاج الدوائي ما يلي:
- قياس الضغط على فترات منتظمة
- مراقبة صحة العصب البصري
- ارتداء نظارة طبية أو عدسات لاصقة
- توفير المُساعِدات البصرية في حالة تضرر البصر
- توفير خدمات الدعم في المدرسة أو المنزل
- الإحالة الأطفال إلى خدمات إعادة تأهيل ضِعاف البصر إذا لزم الأمر
يلعب الوالدان دورًا هامًا في الحرص على الالتزام بالعلاج والتعرف على علامات الانتكاس أو المضاعفات.
على الرغم من أن الزرَق مرض مزمن، إلا أن العديد من الأطفال المصابين به يكبرون ليعيشوا حياة كاملة ومستقلة، فتوفير الدعم داخل المنزل وفي المدرسة، والمتابعة الطبية المنتظمة يُحدثان فرقًا كبيرًا.
يمكنكم التفكير في إجراء بعض التعديلات في البيئة المحيطة، مثل توفير إضاءة جيدة في المنزل، واستخدام نظارات مكبرة أثناء القراءة، والتواصل مع المعلمين حول أي احتياجات خاصة لطفلك بسبب ضعف بصره.
الخاتمة
على رغم أن الزَرَق نادر الحدوث بين الأطفال، إلا أنه يمثل حالة صحية خطيرة قد تؤثر على بصر الطفل مدى الحياة إذا لم يتم علاجه في وقت مبكر. لذلك، يعد التعرف المبكر على أعراض هذه الحالة وطلب الرعاية المتخصصة أمرًا حيويًا للتأثير بشكل إيجابي على بصر طفلك وجودة حياته.
إذا كانت لديكم مخاوف بشأن صحة اطفلكم أو كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بالزرَق، يُوصى بشدة باستشارة طبيب عيون أطفال أو اختصاصي في زرَق الأطفال.
في مستشفى مورفيلدز دبي للعيون ، لدينا فريق من الاختصاصيين ذوي الخبرة العالية في تشخيص وعلاج هذه الحالة النادرة والخطيرة. كمؤسسة معتمدة من قبل اللجنة الدولية المشتركة (JCI) والمجلس الأسترالي لمعايير الرعاية الصحية الدولية (ACHSI)، نقدم رعاية متخصصة في بيئة ودودة ومناسبة للأطفال، مع استخدام أحدث تقنيات التشخيص لضمان تقديم العلاج المناسب في أسرع وقت ممكن.
الأسئلة المتكررة عن الزرَق لدى الأطفال
- هل الزرَق عند الأطفال مرض وراثي؟
نعم، بعض أشكال الزرَق عند الأطفال وراثية، ففي الزرَق الخلْقي الأولي، الذي يُعد أكثر أنواع الزرَق شيوعًا في الرُضع، تلعب الجينات الوراثية دورًا كبيرًا، فإذا كان أحد الوالدين أو كليهما لديه تاريخ من الإصابة بالزرَق أو حالات مرضية أخرى في العين، تزداد احتمالية أن يكون طفلهما عرضة لخطر الإصابة بهذه الحالة. بالإضافة إلى ذلك، قد تُسبب المُتلازمات الوراثية المرتبطة بتشوهات نمو العينين الإصابة بالزرَق من بين أعراضها، فإذا كان يوجد أي تاريخ عائلي للإصابة بأحد أمراض العيون، فمن المهم إبلاغ طبيب العيون الذي يتابع حالة طفلك مبكرًا حتى يتمكن من وضع خطة فحص مفصّلة لحالته، ويمكن تقديم استشارة بشأن الأمراض الوراثية كذلك في بعض الحالات، وذلك لتقييم خطر إصابة الأطفال المستقبليين بذلك المرض. - هل يمكن أن يؤثر الزرَق على كلتا العينين عند الأطفال؟
نعم، يمكن أن يؤثر الزرَق على كلتا العينين عند الأطفال، ويُشار إليه في هذه الحالة بالزرَق الثنائي. في الحالات الخلْقية، يشيع كثيرًا أن تُصاب كلتا العينين، على الرغم من أنه قد تختلف درجة الخطورة من عين إلى أخرى، ولذلك من الضروري إجراء تقييم شامل لكلتا العينين، حتى لو كان ظاهرًا إصابة عين واحدة فقط. إن التعامل مع الزرَق الثنائي قد ينطوي على إستراتيجيات علاجية أكثر تعقيدًا، ولكن مع الرعاية والمتابعة الصحيحتين، يُحرز كثيرٌ من الأطفال نتائج جيدة في كلتا العينين. - كيف يُشخّص الزرَق لدى الرُضع أو الأطفال الصغار الذين لا يمكنهم الكلام بعد؟ يستخدم اختصاصيو طب عيون الأطفال مجموعة من العلامات السريرية والتصوير التشخيصي والفحوص التي يخضع لها الأطفال تحت التخدير لتقييم ضغط العين ودرجة شفافية القرنية ومدى صحة العصب البصري عندما يكون الطفل صغيرًا جدًا على التعاون.
- ماذا ينتظر الأطفال الذين يُشخّصون بالإصابة بالزرَق على المدى البعيد؟
يعتمد ما ينتظر هؤلاء الأطفال على مدى سرعة تشخيص الحالة ومدى فعالية علاجها، فمع التدخل الجراحي أو الدوائي العاجل والرعاية والمتابعة المستمرين، يستطيع كثيرٌ من الأطفال الحفاظ على بصرهم حتى مرحلة البلوغ، ومع ذلك، ولأن الزرَق يسبب تلفًا دائمًا في العصب البصري، فمن الضروري خضوع الطفل المصاب للمراقبة المستمرة للكشف عن أي تغيرات في ضغط العين أو تدهور للبصر. قد يحتاج بعض الأطفال لإجراءات إضافية أو مُساعِدات بصرية بمرور الوقت، ولكن كثيرًا منهم يتمتعون بحياة كاملة ومستقلة. - هل يمكن أن يحيا الأطفال المصابون بالزرَق حياةً طبيعية؟
نعم، وبشكل كبير جدًا. مع العلاج الفعال، يكبر الأطفال المصابون بالزرَق ويلتحقون بمدارس عادية، ويشاركون في الأنشطة الرياضية، ويستمتعون كذلك بالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية. قد يكون من الضروري إجراء بعض التعديلات بناءً على مدى فقدان البصر مثل ترتيبات الجلوس في الفصل الدراسي أو استخدام النظارة المكبرة، ويلعب الدعم العاطفي من العائلة والمعلمين ومقدمي الرعاية الصحية دورًا مهمًا كذلك في مساعدة هؤلاء الأطفال على التكيف والنمو على نحو طبيعي رُغم الإصابة. - هل يجب إجراء أي تغييرات على أسلوب الحياة أو تعديلات في المنزل بعد ثبوت تشخيص طفلي بالزرَق؟
نعم، توجد عدة وسائل لدعم الطفل حتى يتمكن من التعايش مع الزرَق، فينبغي الحرص في المنزل على أن تكون الإضاءة ساطعة وموزعة بالتساوي لتخفيف إجهاد العينين، أما بالنسبة للقراءة والفروض المدرسية، فقد يساعد الطفل ارتداء نظارة مكبرة أو توفير المواد المطبوعة بخط كبير. قد يحتاج بعض الأطفال إلى تجنب الرياضات أو الأنشطة التصادمية التي يزداد بها خطر التعرض لإصابة في العين. الأهم من ذلك كله، فإن الحفاظ على روتين صارم لتناول الأدوية وحضور مواعيد المتابعة الدورية هو مفتاح الحفاظ على بصره بمرور الوقت، فالتعاون الجاد مع طبيب العيون الذي يتابع حالة طفلك سيساعد في تحديد أفضل إستراتيجيات الدعم المفصّلة وفقًا لاحتياجاته الخاصة. - هل يُمكن أن يتسبب الزرَق في إصابة طفلي بالعمى؟
يُمكن أن يتسبب الزرَق في فقدان قدر كبير ودائم من البصر، إذا تُرك دون علاج، ومع ذلك، فمع التشخيص المبكر والعلاج الصحيح، ينجح معظم الأطفال في الحفاظ على بصرهم بما يكفي ليستمتعوا بحياة مليئة بالأنشطة.